الخميس، 8 أبريل 2010

طظ فى البرادعى واللى بيحلموا بية


لا للبرادعى

بقلم
محمود الكردوسى
المصرى اليوم ٢٢/ ٢/ ٢٠١٠

ما كل هذا الصخب والتملق والهذيان؟!

عجلة روليت فى سيرك إعلامى - يديره فيلق نخبوى مترف، وتتقافز فيه عفاريت الـ«فيس بوك» وبعض جنرالات الصحف الخاصة جداً (المستقلة سابقاً) - لفّت ودارت بضعة أشهر، ثم استقرت عند اسم الدكتور محمد البرادعى، المدير السابق لوكالة الطاقة الدولية، ليكون مرشحاً محتملاً (أو «افتراضياً» بلغة حوارييه) لحزب «ليس حباً فى زيد.. بل كرهاً فى عمرو» فى انتخابات ٢٠١١ الرئاسية.

سقطت، أو جرى إسقاط أسماء أخرى مثل عمرو موسى وأحمد زويل وعمر سليمان وغيرهم من لائحة المراهنات. وفى المقابل.. استجاب الدكتور البرادعى - وأشك أن الرجل كان يفكر حتى فى شكل مقعد الحكم قبل سنة واحدة من ترك منصبه الدولى - لضغوط أعداء نظام الرئيس مبارك، وأعلن «موافقة مشروطة» على ترشيح نفسه.

وقبل أن يُظهِر «كرامة سياسية» واحدة، أو يتحقق بنفسه من أن شروطه تلك ستكون محل نقاش رسمى أو شعبى.. أطلق هؤلاء العفاريت والجنرالات حملة محمومة لإقناع قطعان المصريين الجائعة والمريضة والمكبوتة والمنكوبة بأن البرادعى هو «المنقذ والمخلّص».. هو «مسيح» الديمقراطية، ورسول التغيير المنتظر.. هو فى حده الأدنى «خومينى» جديد، وفى حده الأقصى إعادة إنتاج لتجربة «أوباما».

ومنذ أعلن الرجل موافقته المشروطة والقوى السياسية تزايد عليه، و«تتمسح» فيه- رفضاً وقبولاً- حتى إن «ممثلاً مخضرماً» وعنيداً مثل أيمن نور- مرشح «الغد» فى هذه الانتخابات- أبدى استعداده الكامل للتخلى عن دور «السنيد» إذا قرر الدكتور البرادعى ترشيح نفسه عن الحزب. والإخوان كعادتهم أمسكوا منتصف العصا، وقللوا - على لسان رئيس كتلتهم البرلمانية سعد الكتاتنى - من أهمية إعلان البرادعى تأييده الاعتراف بالجماعة، وقال الكتاتنى إن هذا الكلام تكرر كثيراً من جهات مختلفة.. «لكن الإخوان بطبعهم لا يقاطعون أحداً». وإذا كان «الوفد» قد تحفظ، ولم تقل «الكنيسة» كلمتها بعد.. فإن حمدين صباحى - مرشح «الكرامة» - رحّب بعودة الرجل وبفكرة ترشحه، بينما اعتبرته أصوات قبطية طوق نجاة، وكسراً لمعادلة «الوطنى - الإخوان».

ثم ما كل هذا الصراخ؟

الأربعاء الماضى خرجت صحيفة «الدستور» - فى عددها الأسبوعى - بمانشيت من كلمتين هائلتين يذكرك بأفلام المقاولات: «عودة البرادعى». ويوم الجمعة شدت عناصر من النخبة رحالها إلى مطار القاهرة وفى معيتها بضع مئات من المواطنين العاديين، يحملون لافتات ترحيب - لم يخلُ بعضها من «إنجليزية» مقتضبة - ليكونوا فى شرف استقبال الدكتور البرادعى، وخرجت «الدستور» فى اليوم التالى بمانشيت لا يقلّ «سينمائية» عن مانشيت الأربعاء: «طائرة البرادعى Delayed».

وبما أننى أنتمى - صحفياً - إلى مدرسة رجعية رثة.. فقد قدّرت أن دس كلمة بالإنجليزية فى هذا المانشيت مجرد «فذلكة» تليق بـ«مرشح الدستور» - باعتباره «غربى الهوى» - أكثر مما تليق بـ«قارئها». أما «إنجليزية اليفط» فكانت بمثابة الجزء «الوضعى» أو المقحم فى طقس «تأليه» متفق عليه: سواعد تلوّح بـ«علم مصر»، وطيور «تغيير» تشدو: «بلادى.. بلادى»، وصورة «المخلّص مبتسماً» تعوم فوق رؤوس الحشد.. ثم لا شىء.

لا شىء سوى كلام «مجعلص»، لا يسمن ولا يغنى من وقفة فى طابور: «عودة البرادعى تغيير فى مشهد سياسى راكد».. «البرادعى تهديد لمبارك».. «البرادعى سيصبح المعارض الأول للنظام».. «المصريون يرون فيه بطلاً».. «عودة البرادعى قنبلة ضد خطط التوريث».. «ترشح البرادعى شهادة وفاة لتأييد الأقباط لجمال مبارك».. وأخيراً تحدث الرجل: «استقبالى فى المطار رسالة إلى نظام الحكم بأن الناس تشتاق للتغيير».

بدأت أكره كلمة «تغيير»، وأراها أكثر شراً وابتذالاً من كلمة «استقرار» التى ارتبطت بنظام حكم الرئيس مبارك. وكنت أدركت - قبل اندلاع شرارة «البردعة» - أن «التغيير» كلمة نخبوية غائمة ومغرضة عند سلطان «مستقر»، وأن النخبة بطبعها، حتى فى بعض الدول المتقدمة، لا تريد «تغييراً» إلا بالقدر الذى يسمح ببقاء كل شىء على حاله، لأنها ستكون أول من يدفع ثمن أى تغيير جذرى أو حقيقى.

أشقاؤنا فى النخبة إذن، وكما ترى، يريدونها مواجهة بين البرادعى بـ«تغييره»، ومبارك بـ«استقراره». وبما أنهم يقرون بأن حظوظ البرادعى ضعيفة، وأنه بالكاد سيكون «العيار اللى ما يصيبش».. فإن علينا نحن أن نبحث فى طابور الخبز الممتد من ١٩٥٢ إلى ٢٠١١ عن «مسيح» جديد.

ليست هناك تعليقات: